فتح أبواب التفاوض سبيل لاعبي الطاقة الكبار لإعادة التوازن للسوق – Arabic Analysis

4787
Image Credit: Wikicommons

تمر أسواق النفط بمرحلة مفصلية ناجمة عن دخولها لعبة تقاطع المصالح بين ثلاثة لاعبين كبار، عندما ظن كل منهم ولوهلة قصيرة أن مصالحه قد خُدمت في هكذا ظرف، وأن قدرته على تحقيق المكاسب على حساب الآخر باتت قريبة وممكن قطف ثمارها.

وبغض النظر عن الباديء باللعبة الخطرة خصوصاً من الطرفين السعودي والروسي عندما فضّا تحالفاً قائماً منذ أكثر من ثلاث سنوات تمكنا خلاله من إعادةِ قدر من التوازن للسوق التي إختلت بعد الهبوط المفاجيء صيف العام 2014 ، فقد شاء الطرفان عن عمد أو بدونه أن يكون النفط الصخري هو من يصرخ أولاً، رغم تمكن الولايات المتحدة من ملء مخزونها بالقدر الكافي بما يربو على 700 مليون برميل، حينما رحب الرئيس الأميركي ب بدء حرب إغراق السوق بين البلدين، وهبوط اسعار مشتقات البنزين للمستهلك المحلي الأميركي لولا الضرر اللاحق الذي أصاب منتجي النفط الصخري وخروج عدد من الحقول عن الإستمرار بطاقاتها الإنتاجية السابقة على هبوط الأسعار، إن لم نُشر الى إفلاس بعضها. لذا إجتمع الرئيس الأميركي بالمدراء التشغيليين لسبع شركات كبرى وطمأنهم بالعودة الى الأوضاع السابقة، وإشارته الى قدرته على التأثير على اللاعبين الروسي والسعودي للجلوس وللقيام بتخفيض يتراوح بين 10-15 مليون برميل يومياً. وبالتأكيد فإن هكذا نسبة من التخفيض لم تعد كفيلة بتلبيتها من قبل اللاعبين في أوبك+ دون مشاركة الجانب الأميركي وبنسبة معينة من خلال إيجاد الصيغة القانونية المناسبة لدى الشركات الأميركية للمضي بمثل ذلك بوجود قانون مكافحة الإحتكار الخاص بالولايات المتحدة، وبهذا يجري تطمين الطرفين الآخرين لمراجعة قرار إغراق السوق، وعد المشاركة الأميركية رسالة طيبة لإقامة تعاون جديد لسوق متغيرة لم تعد الأوبك وحدها ولا المملكة العربية السعودية في قلبها بقادرتين على التحكم حتى بالتحالف مع منتجين خارجيين دون الأخذ بالإعتبار دور الولايات المتحدة المعزز بقوة لا يبدو أنها تفقد هيمنتها بالسرعة التي يتوقعها البعض.

وكما كنّا نشير بمناسبة وأخرى الى أهمية التعاون بين الجميع وأن لا يقتصر على طرفٍ بعينهِ من أجل مصلحة السوق وبلوغ التوازن المطلوب، فلن تُسفر اللعبة في نهايتها عن أي رابح، فذلك صعبٌ مناله حسب المعطيات، بل من بجعبته أقل الخسائرسيكون قد نال قسطاً غير مُرضٍ مقارنةً بحسابات وإحتمالات ما قبل الأزمة، فإن تناقص الطلب الحالي الى ما يصل حوالي سبعين (70) مليون برميل يومياً بعد أن كان بحدود مائة (100) مليون، أي تقريباً بمقدار ثلاثين (30) مليوناً وهو أقرب لما تنتجه الولايات المتحدة والسعودية وروسيا مجتمعةً، أو قُلْ إنتاج المنظمة لوحدها. ويُعد هذا إنتكاسة غير مسبوقة منذ سنوات تُظهر مدى الضرر الذي تُلحقه الخلافات السياسية بين الدول على الإقتصاد العالمي، وحجم الإرتجال الذي آن وقت تنحيته عن هكذا قطاع تكفيه في الوقت الراهن أزمته مع جائحة كورونا العالمية التي كان بالإمكان تلافي تداعياتها على السوق النفطية بالإبقاء على التحالف بين أوبك وروسيا دون حتى تعميق التخفيض الذي كانت تسعى اليه المملكة العربية السعودية قبل الإجتماع الحاسم ومن خلال حصة مضافة من قبل الحليف الروسي حين كانت المملكة تتحمل العبءٍ الأكبر داخل المنظمة ومن خلال تحالف أوبك+ ولاقت فيه معارضة الحليف الروسي، لتذهب بعيداً في خطوة ظهر أنّها آذت الصديق والحليف المتجذر (الولايات المتحدة) قبل الإيقاع بالحليف النفطي الروسي.

وكما جاء في تصريحات السيد فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية التي يبدو أنّها لا تخلو من قدر من عدم التفاؤل حينما بيّن أنّ تخفيضاً بمدى 10-15 مليون برميل ما عاد كافياً لرفع السعر بعد تراكم هائل في المخزونات حتى نهاية الربع الثاني من هذا العام. مما يعكس أزمة فعلية قد لا تُفلح في تعافي السوق قبل العام المُقبل. حيث يجري الحديث عن حد أعلى لا يتجاوز أربعين (40) دولاراً للبرميل خلال هذا العام، مع طموح يُغلفه عدم يقين بمدى 45-50 دولاراً لأكثر التوقعات تفاؤلاً. وهذا بحد ذاته لا يكفي لتعويض الخسائر التي تكبدتها العديد من الشركات العاملة والتي خفضت من آفاق إستثماراتها قبل شروع الرئيس الأميركي بخطوته الحاسمة بدعوة الطرفين الآخرين للإجتماع والخروج بقرارات جريئة.

لقد أثبتت الأزمة ضرورة التوازن ليس بين العرض والطلب حسب ما تقتضيه قوانين السوق، بل مع خام مُنتج في القارة الأميركية بات لاعباً ليس بتلك الهشاشة التي إفترضها السعوديون والروس، بل تحرسه مصالح إقتصادية للولايات المتحدة بإعتبارها القوة الأولى عالمياً، بإمتلاكها مفاتيح في الإقتصاد والسياسة بالأخص قد تؤدي المخاطرة بها الى إعادة نظر في العلاقات مع المملكة العربية السعودية كما يسعى لذلك عدد من النواب وخصوصاً الديمقراطيين منهم كجزء من سياسة إضعاف موقف الرئيس ترامب إنتخابياً، حيث يبدو سأم العديد منهم بتمتعه معها بعلاقة متميزة. ومثل ذلك ربما يضع المعرقلات أمام مسعى تنفيذ رؤية ولي العهد السعودي نحو العام 2030، والتي قد لا تجد كافة فرصها للتحقق في ظل إقتصاد تتكيء موارده المالية على الخام مصدراً رئيساً لا يمكن الإستغناء عنه لبلوغ تلك الرؤية الطموحة التي لم تتضح وفق الوضع الحالي آفاق وإمكانات الوصول اليها في ظل سوق نفطية قلقة.

وليس بالإمكان الحديث الآن عن منتجين جدد مرشحين للإرتباط بالتحالف، لكن فرصة الإسراع في تحقيق التوازن في السوق تكون مُتاحة بشكل أفضل إن حدث مثل ذلك، فالجميع في مركب واحدة، وقد تتضرر إقتصادات عديد من الدول المنتجة خارج التحالف لتجد الفرصة سانحة للتنسيق مع الكبار وبشكل أكثر إرتباطاً.

وكما يتضح من مُعطيات واقع السوق العالمي، وبكل ما يحمله من جوانب سلبية أبرزها إبتلاء الأرض بجائحة كورونا التي يبدو أنها لن تغادر قبل بضعة أشهر على أقل تقدير، مما يُبطيء من النمو الإقتصادي العالمي، وخصوصاً في الصين (التي بدأ إقتصادها يتحسس طريقه للعودة الحذرة). وكذلك ضبابية السياسة بدخول الرغبات الشخصية غير المدروسة التي قد تنقلب على أصحابها. وعدم جدية الولايات المتحدة للتنسيق إلاّ في حالات الضيق، وبقرب إنتخابات رئاسية مُقبلة قد تُفقد الرئيس الحالي حظوظه إن لم يستوعب اللعبة بمهارة بين رغبة مستهلك بات مُتعباً في زمن الجائحة ، وشركات نفط صخري أضحت مهددة بالإفلاس.

وتبقى الكلمة الأخيرة عن الوطن الذي يبدو متفرجاً حتى اللحظة وغير قادرٍ على ديمومة ما كان ينبغي أخذه من درس هبوط الأسعار عام 2014 لقيام نظام إقتصادي متنوع، وقبل ذلك حينما مر الإقتصاد العالمي بكسادٍ إقتصادي عام 2008. فلن تسلم الجرة لمراتٍ عدة، فهذا التجاهل والغفلة لن يبنيا عراقاً واعداً وضعت عليه الآمال بتوقعات وكالة الطاقة الدولية في عام 2012 لعراق ما بعد جولات التراخيص النفطية، ثم عادت لتعول على سياسة طاقة حتى العام 2030 في تقرير 2019 أشادت فيه بما تحقق، ولو بقدر معقول. لكن التمعن بعمق بما آلت اليه أوضاع السوق وعدم قدرة البلد على إيفاء متطلبات عقود جولات تراخيص أربع لم تحسب لهبوط الأسعار تستدعي العودة لمرات عدة للجلوس مع الشركاء العالميين لإعادة النظر في عدد من بنود العقود كي تتسق مع واقع السوق غير المستقرة التي لم تعد تسر منتجاً كالعراق جاء أوان إستيعابه الدرس سواء عالمياً بإعتباره المنتج الثاني في منظمة الأوبك، وداخلياً بتهيئة فرصة تنويع الإقتصاد التي لا سبيل غير العمل على إعادة تفعيلها وبجد هذه المرة.

Guest Contributor | + posts

Mustafa Abdulhusein is an energy expert and author with more than 20 years of experience working in Iraq's oil & gas sector. Previously, he served as a consultant at the International Energy Agency (IEA).


This person is a guest contributor and is not associated with the Iraq Energy Institute.